الأربعاء، 28 نوفمبر 2018

عمان في كتابات الجغرافيين العرب

تحدث الجغرافيون العرب  كثيراً عن أدوار عمان على مر التاريخ خاصة فيما يتعلق بالملاحة والتجارة مع الهند والصين وسواحل شرق أفريقيا وبعض جزر المحيط الهندي.

 التاجر سليمان في كتابه سلسلة التواريخ يتحدث عن حركة السفن والمراكب التجارية المنطلقة من سيراف وعمان إلى الهند والصين، فيقول: إن أكثر السفن التجارية الصينية تحمل من سيراف، وأن المتاع يحمل من البصرة وعمان وغيرها إلى سيراف، فيعبأ في السفن الصينية هناك، ثم تقلع السفن إلى مسقط، وهو آخر عمل عمان، والمسافة من سيراف إلى مسقط نحو مئتي فرسخ، وفي هذا البحر جبال عمان، حيث يوجد فيها الموضع الذي يسمى الدردور، وهو مضيق بين جبلين، تسلكه السفن الصغار، ولا تسلكه السفن الصينية، وفيها أيضا الجبلان اللذان يقال لهما ( كسير وعوير)، ولا يظهر منهما فوق الماء إلا الجزء اليسير، فإذا جاوزت السفن الجبال تصل إلى ( صحار) وفي العادة فإن السفن ترسوا في مسقط، حيث تتزود بالمياه العذبة، ثم تقلع السفن إلى بلاد الهند، وتمر في طريقها إلى ( كوكم ملي)( الساحل الغربي لبلاد الهند)، وتقطع السفن تلك المسافة في مدة شهر إن كانت الريح معتدلة، وكانت سفن الصين تنقل الحرير إلى بلاد العرب .

 

ويذكر أبو زيد الحسن السيرافي في كتابه أخبار الهند والصين أن بلاد عمان كانت تشتهر بالربابنة والإدلاء لتزويد المراكب الصينية والهندية والعربية بهم… ويقول مبينا علاقات عمان بجزر الشرق الأقصى: إن في جزيرة كلة( جزيرة في شبه جزر الملايو)  مجمع الأمتعة من الأعواد والكافور والصندل والعاج والرصاص والأبنوس … وتنقل هذه السلع من هذه الجزيرة إلى عمان بالإضافة إلى أن المراكب تجهز بصنوف السلع العربية في طريقها إلى الهند

 

 

يتحدث ابن خرداذبة ( ت272هـ 885م) في كتابه المسالك والممالك عن بلاد عمان، يذكر أن خراجها يبلغ ثلاثمئة ألف دينار سنويا، ويؤكد أن التجار يقصدونها في طريقهم إلى الأبلة في جنوب العراق إلى الهند والسند والصين … أما السلع التي كانوا يجلبونها من بلدان الشرق الأقصى فكانت المسك والعود والكافور …. ثم يعودون في طريقهم إلى أورباء عبر البحر الأحمر وخليج القلزم ومصر

 

وقال الأصطخري ( ت 340هـ ـ 951م) في كتابه مسالك الممالك: إن ديار العرب لا يشركهم أحد في سكناها، ويحيط بها فارس الذي يمتد من عبدان التي يصب عندها ماء دجلة والفرات في البحر إلى البحرين، وينتهي في عمان… وعمان مستقلة بأهلها كثيرة النخيل والفواكه كالموز والرمان والنبق وغيره، أما قصبة بلاد عمان فهي صحار، تقع على البحر، وبها متاجر البحر، وتقصدها المراكب، وهي أعمر مدينة بعمان، وأكثرها مالا، ولا تكاد تعرف على ساحل البحر بجميع بلاد الإسلام مدينة أكثر عمارة ومالا من صحار… بالإضافة إلى أن بلاد عمان تحتوي على مدن كثيرة ، أما مساحتها فتبلغ ثلاثمئة فرسخ، والمسافة بين عمان والبحرين مسيرة شهر واحد

 

إن ذلك النص الذي أورده الأصطخري يبين لنا بوضوح الامتداد الطبيعي لعمان، ويكشف لنا أصالة هذه الدولة العمانية، الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ.

 

قال الهمداني (ت 365هـ ـ 975م ) في كتابه ( كتاب البلدان) بأن أرض عمان هي صفوة الأرض من الأرضين، وهي بمنزلة الرأس منها… ويؤكد أن حشوش الدنيا ثلاثة عمان والأبلة وسيراف، وأنها تشتهر بالسمك والقني أي الرماح والنخيل، ويعدد أصناف تمورها الفرض والبلعق والخبوت.

 

يقول ابن حوقل ( 380هـ ـ 990م) في كتابه ( صورة الأرض) بأن ديار العرب يحيط بها بحر فارس ( الخليج العربي) من عبدان وهو مصب دجلة في البحر، فيمتد إلى البحرين حتى ينتهي إلى عمان، ثم يعطف على سواحل مهرة وحضرموت وعدن، ثم يحدث عن عمان ويؤكد أيضا أنها إقليم مستقل، وأن بها النخيل كثيرة، والفواكه من الموز والرمان، وأنها بلاد حارة، ومع ذلك يسقط على رؤوس بعض جبالها الثلج.

 

وقسم المقدسي ( ت بعد 390هـ ـ 999م ) في كتابه أحسن التقاسيم الجزيرة العربية إلى أربع كور جبلية واسعة، وأربع نواح نفيسة، أما الكور فهي الحجاز واليمن وعمان وهجر، وأما النواحي فهي الأحقاف والأشحار واليمامة وقرح، ويصف كورة عمان بأنها واسعة … كلها نخيل وبساتين ، ويستقي أهلها من آبار قريبة، ينزعها البقر، أكثرها في الجبال… وأما قصبة عمان فهي مدينة صحار، ومن مدن عمان  نزوى ، والسر، ضنك، حفيت، دبا ( بأقسامها الثلاث)، سلوت، جلفار ( رأس الخيمة)، سمد، بسيا، منحوأوضح الامتداد الجغرافي الطبيعي لعمان، فقد فصل المقدسي في ذكره أسماء مدن وبلدان عمان وقراها.

وعرف تفاصيل المدن العمانية وأدوارها التاريخية، فقد تحدث مثلا عن صحار، فقال إنه ليس على بحر الصين اليوم ( القرن الرابع الهجري) بلد أجل منه، حسن طيب نزه، ذو يسار وتجار وفواكه وخيرات، وهي أيسر من زبيد وصنعا اليمنيتين، بها أسواق عجيبة، وهي بلدة ظريفة، ممتدة على البحر، ودورها مبنية من الآجر والساج، … ووصفها بقوله: وصحار دهليز الصين، وخزانة الشرق والعراق، ومغوثة اليمن، وبها مسجد جميل يقع على البحر آخر الأسواق، له منارة حسنة طويلة، ومحراب بلولوب يدور فترة، مرة أصفر، ومرة أخضر، وحينا أحمر

 

إن ذلك الوصف الدقيق يدل دلالة واضحة على مدى التقدم الذي شهدته عمان في مختلف المجالات، ومن خلال وصف المسجد ومنارته ومحرابه وتبدل أضوائه من لون إلى آخر يتجلى الحس الفني الذي بلغه أهل عمان، والعناية الفائقة بالجوامع والمساجد، وقد عرفوا ذلك منذ القرن الرابع الهجري .

 ولم يزل المقدسي يتحدث عن عمان وجغرافيتها ومدنها، فيذكر مدينة نزوى، بأنها تقع في الجبال، وأنها مدينة كبيرة، بيوتها من الطين، ويقع جامعها في وسط السوق، ويشرب سكانها من أنهار وآبار، وإذا غلب الوادي في الشتاء دخل إلى الجامع.

ويتحدث عن أرض السر، وأنها أصغر من نزوى، تلتف حولها أشجار النخيل، ويقع جامعها وسط السوق، ويشرب أهلها من آبار وأنهار.

ويصف مدينة ضنك، وأن النخيل بها أقل، بينما حفيت كثيرة النخيل، والجامع وسط السوق، ثم يحدثنا عن سلوت، وأنها تقع يسار نزوى، وأما دبا وجلفار فهما من نحو بلاد هجر.

ويتحدث عن مسقط، فيقول بأنها أول ما يستقبل المراكب اليمنية ( وقد رأيته موضعا حسنا، كثير الفواكه) أما مدينة توام ( البريمي التاريخية) فيقول غلب عليها قوم من قريش، فيهم بأس وشدة.

ويقول التجارة بالجزيرة مفيدة، لأن فيها فرضتي الدنيا وسوق منى، والبحر المتصل بالصين، وجدة والجار خزانتي مصر، ووادي القرى مطرح الشام والعراق، واليمن معدن العصائب والعقيق والأدم، فإلى عمان يخرج آلات الصيادلة والعطر كله حتى المسك والزعفران والبقم والساج والسمسم والعاج واللؤلؤ والديباج والجزع واليواقيت والأبنوس، والنارجيل والقند والأسكندروس والصبر والحديد والرصاص والخيزران والغضار والصندل والبلور والفلفل

 

 

أما الرحالة ناصر خسرو ( ت481هـ ـ 1088م) في كتابه ( سفر نامة) إذا سافر المسافر جنوب الحسا يبلغها، وهي في بلاد العرب، وثلاثة جوانب فيها صحراء لا يمكن اجتيازها، وهي حارة الجو، يكثر فيها الجوز الهندي، المسمى نارجيل، وإلى الجنوب من عمان عدن، وإلى الشرق منها عبر البحر تقع جزيرتا كيش ومكران

 

 

ويتحدث أبو عبيد البكري ( ت487هـ ـ 1094م) في كتابه ( جزيرة العرب ) عن عمان وموقعها ومدنها، فيذكر ظفار، وأنها منازل العرب العاربة، ودار الملوك، وأن بها السيوف والثياب من القصب، والسعيدي والوشي والمغمر والحبر والبرود والأردية والعنبر والجزع والعقيق والبخت والإبل المهرية والخيل العراب، ويؤكد أن ببلاد عمان مغاوص اللؤلؤ، ويتقاضى الغواصون عن كل يوم من قيراط إلى نصف درهم، ولؤلؤ مغاص عمان جيد، وبعض حباته تباع بعشرة آلاف إلى خمسة عشر ألف دينار

 

ويتحدث البكري عن مدن عمانية ومنها مسقط، تقع على ساحل البحر، وهي مدينة حصينة، يحيط بها جبل فيه مياه سائحة، أجريت إلى المدينة، وهي كثيرة النخيل، والبساتين وضروب الفواكه، وطعام أهلها الحنطة والشعير والأرز، ثم يتحدث عن نزوى وصحار وصحم.

يذكر البكري أن خراج عمان ثمانون ألف دينار سنويا، ومنها يمكن السفر إلى سواحل الجزيرة العربية وأفريقيا والهند والصين، وبسبب ثراء أهلها فقد أهدى حاكم عمان بعد عام 420هـ إلى الكعبة محاريب فضية، زنة المحراب أزيد من القنطار، وقناديل فضية متقنة الصنع، وقد سمرت المحاريب في جوف الكعبة مما يقابل بابها

 

 

تحدث ياقوت الحموي  (ت626هـ ـ 1228م) في كتابه معجم البلدان عن عمان: عُمان بضم أوله وتخفيف ثانيه وآخره نون اسم كورة عربية على ساحل بحر اليمن والهند، وعمان في الإقليم الأول 74 درجة، و30 دقيقة، وعرضها 19 درجة و45 دقيقة. ثم قال إنها تشتمل على بلدان كثيرة ذات نخيل وزروع، وقصبة عمان صحار، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إني لأعلم أرضا من أرض العرب، يقال لها عمان، على شاطئ البحر، الحجة منها أفضل أو خير من حجتين من غيرها) ثم تحدث الحموي عن صحار يقول: صحار قصبة عمان مما يلي الجبل، وذكر مسقط على ساحل البحر، وعرج على ذكر مدينة قلهات، تقع على ساحل البحر، إليها ترفأ سفن الهند، وهي مدينة ليست بالقديمة في العمارة، ويرى ياقوت الحموي أنها تمصرت بعد عام 500هـ، وهي من أشهر مدن عمان، فرضة بلاد عمان على المحيط الهندي وبحر العرب

 

ويذكر مدينة أخرى عمانية، وهي مدينة جلفار ( رأس الخيمة) فيقول: بلد بعمان، عامر، كثير الغنم والجبن والسمن، يجلب منها إلى ما يجاورها، ثم يذكر من قرى عمان ( كلبا) أو ( كلبة) ثم خور فكان بليدة على ساحل عمان، يحول بينها وبين البحر الأعظم جبل، وبها نخيل وعيون

 

 ولم يغفل  ذكر مذهب أهلها فقال: وأكثر أهل عمان إباضية، ليس بها من غير هذا المذهب إلا طارئ غريب.

 

أما الدمشقي ( ت727هـ ـ 1326م)  فقد قال في كتابه ( نخبة الدهر في عجائب البر والبحر) أن عمان تقع في ساحل بحر الهند، وتشتهر بالنخيل والمز والرمان، وقصبتها صحار، ثم تخربت، فكانت قلهات، فأصبحت فرضة بلاد عمان، ومن مدنها صور، ومسقط، وأدم وهي مدينة برية مسورة، ومدينة منح، وهي مدينة مسورة، تجري إليها مياه من المرتفعات المجاورة، ومدينة نزوى وتقع في واد بين جبلين، وقلعة بهلا الواقعة على رأس جبل ممتنع، وجلفار ( رأس الخيمة)

 

وقال الحميري (ق8هـ) عن عمان في كتابه ( الروض المعطار في خير الأقطار) إنها بلاد مستقلة بذاتها، عامرة بأهلها، كثيرة النخيل، والفواكه والموز والرمان والتين والعنب، وتعرض في حديثه لمدن عمانية منها مسقط، يمر عليها من أراد الهند والصين، فيسير مع الشمال تلقاء الجنوب، حتى يصل مسقط، وتقع مسقط بين جبلين، ترسو فيها السفن، ويستقي أهلها من آبار عذبة، وتحمل تلك السفن الحجارة من مسقط لرمي العدو، إذا خرج عليها، وتبعد عن شحر حضرموت مسافة تسعين فرسخا.

لعل فيما مضى مما سطره الجغرافيون والمؤرخون منذ القرون الهجرية الأولى من غير أهل عمان ما يجعلنا نفسر سبب تلك المكانة السامقة لعمان، وذلك التأثير الفاعل في صناعة الأحداث، فموقعها الجغرافي الإستراتيجي، وطبيعتها المتنوعة البحرية والسهلية والجبلية، وممارسة أهلها البحار والملاحة مكنها من إقامة علاقات واسعة مع الهند والصين والعراق وأفريقيا وغيرها من الأقطار.

لم يغفل من كتب عن عمان الإشارة إلى مدن عمانية كثيرة كانت لها أدوار حضارية ثقافية وتجارية واقتصادية، ساهمت في رخاء الأمم والشعوب.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الاثار الناريخية

المعالم الأثرية تزخر السلطنة بالعديد من المعالم الأثرية التي تروي قصة حضارات ضربت بجذورها في عمق النشأة الأولى للإنسان. وتشير المكتشفات ...